هل تخيلت ان إنسانا من الممكن أن يكره الماء؟
أنا لا أتحدث عن الإهمال للنظافة الشخصية أو الرغبة في " القذارة " ، ولكني أتحدث عن كره شديد لماء الشرب ، يتحول معه كوب ماء تقدمه لهذا الشخص إلى ألم رهيب ، وصراخ شديد ..
ربما يكون من الصعب علينا تخيل هذا ، وأنا أيضا لم أر مثل هذا في حياتي، ولكني سمعت ، وأنا أصدق هذا الذي سمعت ..
لا تتعجب كثيرا ، فأنا لا أتحدث عن حالة طبيعية أبدا ، ولكني أتحدث عن مرض السعار والذي يعرفه العامة بداء الكلب ، هل تصدق أن المريض يفضل الموت على أن يشرب الماء !! وهذا هو المصير الفعلي الذي ينتهي إليه أمره في الأغلب.
من فضلك ، قبل أن تتابع المقال ، أحضر كوب ماء زجاجي ، وحبذا لو كان باردا تتجمع على سطحه الخارجي قطرات من بخار ماء متكثف.
الآن خذ رشفة .. ارشفها ببطء , استشعر نعمة الله عليك ، قل الحمد الله ، قلها عميقا , والآن تابع معي ..
كلب عقور ( أي مسعور ) يعض شخصا أو حتى يخدشه ، وغالبا ما يكون هذا الشخص طفلا ... يتسلل الفيروس اللعين من الكلب المريض إلى الجهاز العصبي للمصاب ، يتسحب ويتنقل في خفية إلى أن يصل إلى الجهاز العصبي المركزي ويضربه في مقتل ، لتبدأ سلسلة من التشنجات والتقلصات العضلية في سائر عضلات الجسم ، وعلى الأخص عضلات البلعوم ، والتي تنقبض بشدة ، وهو الأمر الذي يجعل ابتلاع الريق أمرا مؤلما للغاية ، وهو السبب الذي يجعل لعاب المريض يسيل على شدقه ويعطيه تلك الصورة الشهيرة ، وإذا كان المريض لايستطيع ابتلاع لعابه ، فهو بالطبع لايستطيع ابتلاع أي سوائل ، وتصيبه رؤية الماء بحالة من الهياج والألم الشديد ، وكل هذا بسبب هذا الفيروس اللعين.
كان هذا هو الحال طوال الآف السنين ، عضة كلب ، ثم تشنجات مؤلمة وموت .. إلى أن ألهم الله العالم الفرنسي لويس باستير إلى اكتشاف البكتيريا ، و المصل الخاص بمرض الكلب.
بعد أجرى العديد من تجاربه على الحيوانات بدأ عام 1885 في علاج أول إنسان من هذا المرض والذي كان الطفل " جوزيف مايستر " والذي تلقى علاجا كان عبارة عن 14 حقنة أعطاها له باستير، ليعود بعدها إلى بيته معافى ، وسرعان ما انتشر الخبر ، مع كون المرض بلا علاج في تلك الفترة .وقد جاءه يوماً تسعة عشر فلاحاً من مدينة «مولنسك» الروسية عضهم ذئب مسعور ومضت على اصابتهم ما يقرب من ثلاثة اسابيع جاءوا الى باريس يطلبون النجاة على يد باستير وكان خمسة منهم في حالة سيئة جداً. وقام باستير بحقنهم بأمصاله التي أعدها.. واقتصاداً للوقت كان يحقنهم صباحاً ومساء.. وانتظر العالم ليسمع نتائج هذه التجربة، وكانت النتيجة نصراً هائلاً لنظريات باستير.. فقد نجا ستة عشر مصاباً.. ومات ثلاثة، كان من الواضح أن الميكروب قد سبق الى جهازهم العصبي فلا حيلة للأمصال فيها.. وعاد الفلاحون الى بلادهم والعالم كله يهلل لباستير.. وبعث قيصر روسيا له وساماً اضافة الى الأوسمة الكثيرة التي ازدحم بها صدره..
بدأ بعدها انتشار اللقاح وتطور الأمر كثيرا ولم يعد الانسان بحاجة إلى تلقي عددا كبيرا من " الحقن" كعلاج لهذه العضة ، وعلى الرغم من ذلك لازال المرض منتشرا إذ يموت بسببه 40-70 ألف شخص سنويا ، معظمهم في آسيا .
لا أراكم الله تعالى مكروها