١٧‏/٠٣‏/٢٠٠٨

ومن الطب ما خنق ...!!



أول أمس ..

في عيادة الأمراض الباطنية مع أحد الأطباء ...

ويا له من يوم

البداية كانت مع مريض .. أرسله طبيب مبتديء ليجري رسما كهربائيا للقلب ..

بدأت أقيس الضغط ,,, هناك شيء ما غير طبيعي ... لا أكاد أستطيع قياسه ...

بدأت أسمع القلب .. ضوضاء غريبة لم أسمعها من قبل في حياتي ..

إذن لنر ما يقول رسم القلب ...

يا الله ...

تلك الخربشات السريعة الكبيرة المتتالية ..

قلب هذا الرجل يرقص رقصة الوداع

يرقص بجنون ، وليس متبعدا أن ينهكه الرقص ليسكت بعدها .. لا قدر الله

هيا ... بسرعة

لينقل إلى المشفى

هل يا ترى يستوعب أهله ؟!

هل يا ترى سيصل ...

هل يتوقف قلبه عن الرقص ليعود إلى طبيعته ؟ أم سيتوقف للأبد ؟

الله أعلم ...

-----------

دخلت غرفة الكشف..

فتاة في العشرينات ، بالتحديد في الثالثة والعشرين من عمرها ، وبصحبة والدتها ، يبدو من ترحيب الطبيب بها أنه يعرفها جيدا ..

بدأ الحوار والطمأنة على الأخبار ..

ها هي قد تزوجت حديثا .. منذ خمسة شهور ، لا أكثر ..

ولكن ما المشكلة؟

انها مصابة بداء البول السكري ، أو كما يطلق عليه مجازا ( مرض السكر) ، أخفت المرض عن زوجها ، تزوجت ، ولم تنتظم في العلاج .. تريد الحمل والانجاب ، لا تريد حقن الانسولين ، تخشى أن يعلم زوجها ، لا تعرف رد فعله ، حالتها النفسية ليست على ما يرام ..وحتى مجوهراتها سرقت !!

عينة عشوائية للسكر ... مرتفع إلى أرقام خيالية ..

ماذا اذن ...

هل تكتب لها علاجا للسكر وتتركها ..

هل تنصحها ، ماذا تقول ؟ هل تتحدث عن الماضي ، وأنها كان يجب أن تخبر زوجها بمرضها قبل الارتباط ، وأنه لو تركها ورحل فما كان ليستحقها من الأساس ؟ هل تخبرها بأنها كان يجب أن تكون أكثر إيمانا بالقدر ، وألا تخشى من رحيل هذا العريس أو غيره ...

ما العمل اذن ؟

تريد أن تتناول أقراصا لعلاج السكر ، ماذا اذن لو كانت حاملا بالفعل ؟ كيف سيكون الحال وهذه الأقراص قد تؤذي الجنين للغاية ..

هل تخبر زوجها ؟

كيف ؟ ماذا ستقول ؟

اقتراح خبيث من أمها أن تظل متكتمة للأمر ، وأن تتابع السر أثناء متابعتها للحمل دون أن يعلم الزوج !!

مزيد من الكذب والخداع ، وقد يترتب عليه مزيد من الدمار ..

أخيراً أجرت اختباراً للحمل لنتأكد من أنها لا تحمل في أحشائها جنينا يمكن أن يؤذيه الدواء ، أخذت روشتة الدواء ، نصحتها أن تخبر زوجها بأنها تعبت وأجري لها تحليل للسكر أظهر ارتفاعه في دمها .. لعل رد فعله يكون أقل عنفا ..

وأخيرا .. خرجت متبوعة بنظرات التعاطف .. والألم.

---------

هل تريدون المزيد ..؟

هل أحدثكم عن المريضة فقيرة الحال التي أتت تشكو أعراضاً متعددة ، ويصحبها زوجها العاطل منذ فترة لظروف مرضية ..

لنكتشف بعد فحص المريضة وأخذ تاريخها المرضي ، أنها طبيعية على المستوى الجسدي ، لكن لديها ضلالات بأنها تعاني عضويا .. أجرت العديد من الفحوص ، وتناولت العديد من الأدوية ..

بالطبع لم تتحسن ، ولو أقسمت لها أنها لا تعاني مرضا عضويا فلن تصدقك ..

لا تستطيع بعد كل هذا الذي تعرف إلا أن تشفق عليها وعلى زوجها .. وأن تتمنى لها الشفاء ..

ربما مررت بكل هؤلاء المرضى في يوم واحد ، ولم أخرج من العيادة بنفس تلك النفسية التي دخلتها بها .. ، فلا بد من خدوش وندبات ..

وربما بهذا أدلل على رفضي الشديد أن أكون يوما طبيبا باطنيا ، أو أي تخصص آخر يعقد فيه الطبيب مع مرضاه علاقة طويلة الأمد ، بينما المريض يذبل وتتدهور حالته ، أو هي تتحسن ببطء شديد ..

فقط أريد أن أكون جراحا .. أضع نهاية للأمر – بفضل من الله وتوفيقه - بعملية جراحية ، أترك بعدها المريض مسرورا ، أنا مسرور ، وهو كذلك ..

لا أراكم الله مكروها .