٢٥‏/١٠‏/٢٠٠٨

ومضى ربع قرن...



ومضى ربع قرن ...
نعم
هكذا
وببساطة شديدة
مضى ربع قرن على مولدي
عشت في هذه الحياة 25 عاما
ما قيمتها ؟ ما وزنها ؟ ماذا أنجزت ؟
أقولها بكل تجرد : لا شىء
هذه هي الحقيقة المجردة
هذه هي الحقيقة بلا رتوش
ماذا لو انتهت حياتي الآن
أمر بسيط ، أمر عادي ، بل أمر تافه
أحباء لي سيذكرونني ، بضع أيام أو بضع أسابيع أو ربما بضع شهور
ثم .. لا شيء
رقم في السجلات
هذا أنا
وهذه حقيقتي

للأسف
ماذا قدمت ؟ ماذا أضفت ؟ ماذا أنجزت ؟
لاشيء
أشياء كلها عادية يفعل مثلها الملايين كل يوم
شهادة الطب , بعض مقالات كتبت ، بعض كتب قرأت ،
طز!
لا شيء حقا ذو قيمة
خمسة وعشرون عاما من اللاشيء
ربما حاولت أن أكون شيئا .. ولكن حقا أنا لاشيء
--------------
ليست هذه حقيقتي فقط
بل هذه هي حقيقة الملايين
كلهم لا أشياء
كلهم ينتهي ويذهب
ليصبح رقما
وحتى بعضهم لا يحظى بفرصة أن يكون رقما
مات فلان ومات علان
كلهم أرقام
أحرر لهم شهادة وفاة تأخذ مكانها في السجلات لبعض الوقت ، كما تبقى ذكراهم في القلوب بعض الوقت
وحقا
لاشيء
هذه الحقيقة عرفتها بالفعل منذ أعوام عديدة
ربما اقتربت من الأعوام العشرة
كنت وقتها في الصف الثاني الثانوي
تمنيت وقتها أن أكون شيئا
حلمت أن أكون طبيبا ، وهو الأمر الذي بدا أسطوريا في ذلك الوقت
فالطبيب وقتها كان ذلك الكائن الخرافي الذي يمارس أرقى مهنة ، ويكسب الدخل الوفير ويشار إليه بالبنان
سألت نفسي .. ثم ماذا ..
أعالج مائة أو مائتين أو ألفا أو ألفين
ثم لاشيء
فكرت أن أكون أستاذا في الطب ...وهو الأمر الأكثر أسطورية وقتها
تأملت قليلا
كم أستاذا في كلية طب مصرية ؟ وكم كلية طب في مصر؟ وكم منها في العالم؟
ربما أكون شيئا لأعوام
ثم بكل بساطة
أذهب
ثم لاشيء
فكرت أن أكون عميدا لكلية طب ، أو وزيرا للصحة في بلادي ، ولكن كلها مناصب مؤقتة
تعمل فيها سنة أو سنتين
أو عشرا أو حتى عشرين
ثم تذهب ، ويذهب ما قدمت ليأتي أحمق آخر يرى نفسه عبقريا وينسف كل ما قدمت
كلها إذن لا شيء
لاشيء
لاشيء
شمخت برأسي أكثر
وضعت العالم بين يدي
ورأيت جائزة نوبل ، تقديرا لجهد غير مسبوق ، وإضافة غير عادية ، وشيئا يستحق
ظلت حلما يرضيني
عشته أياما
وتغنيت به ليالي
إلا أنه طالما تكسر على صخرة الواقع
لاداعي أن أحدثكم عن هذه الصخرة ، فكلكم يراها ويلمسها في كل ركن وزاوية
ظلت نوبل تداعب خيالي إلا أنها وقتا ما أخذت تتضائل ، رأيتها أحيانا إنجازا فرديا انتهازيا أنانيا ، يقفز على كثير من القيم ، خصوصا مع كثير من التأمل لنوبل زويل ، نعم أضافت له كثيرا ، ولأمريكا أكثر ، وأضافت بعض احمرار لكفوفنا من حرارة التصفيق..

استبدلت بها حلما آخر ، يركز على المجموع لا على الفرد
يركز على الأثر لا على الانجاز
حلمت بأن أكون حامل لواء النهضة الطبية في مصر بل في العالم الاسلامي
صغت الحلم في كلمات رصينة
رددتها مرارا
وتحدثت بها تكرارا

ومرت خمسة وعشرون
وماذا

لا شيء
------------
الآن
لازال في القلب بعض من بقايا الحلم
لازال هناك دبلومة الجودة التي أدرسها
ولازال هناك فرصة للحصول على مكان بالجامعة
ولازال هناك بعض طموح
لازال كل هذا يرسف تحت أغلال الواقع
أي واقع ...
أبداً
أعمل الآن موظفا بالحكومة
طبيبا بوحدة صحية
أو وحدة ريفية
سمها ما شئت
أوقع الكشف الطبي على 120 مريض في ثلاث ساعات
على الرغم من أني بطىء جدا في عملي مقارنة بآخرين
أدواتي : فقط مسماعي الطبي ، وحديدة أستخدمها كخافض للسان
وأحيانا نظرة ميكروسكوبية يتفضل بها رجل المعمل على بول أو براز المريض
ثم لابد من كتابة علاج
نعم
من بين قائمة لاتزيد كثيرا عن العشرين صنفا من الدواء
هذا هو الطب الذي أمارسه الآن
هل تعرفون أين ؟
في وكر الثعالب
حيث كل الموظفين تقريبا في البيوت
ومن يتكرم بالحضور يأتي لساعتين
أو يأتي ليلقي على زملائه تحية الصباح قبل أن ينصرف
حيث التزويغ حيث الدسائس حيث التحايل حيث الثعالب
لو أني أردت أن أحكي مشاهدات ثلاثة أيام لربما لم تكفني صفحات كتاب كامل كالذي حكى فيه الدكتور نبيل فاروق تجربته في وحدة بالصعيد حجمها أصغر من عشر الوحدة التي أعمل فيها ..
------------
منذ قليل اتصلت بصديق تأملاتي وتحولاتي أحمد محسن المستكشف ، شكوت له خمسة وعشرون عاما من اللاشيء
ذكرني بما قلته له يوما . بأن الانجازات الحقيقية تأتي بعد الأربعين
هل كنت أعني حقا هذا أم هو نوع من الخداع اللذيذ للنفس ؟
الله وحده يعلم
ذكرني بذكريات مشتركة
منذ أربع سنوات تقريبا
كنا وقتها نكثر من القراءة والبحث عن معرفة الذات ، معرفة الهدف ، ترتيب الحياة ، وكان طارق السويدان وقتها فاكهتنا المحببة
ذكرني برتب حياتك
ضحك من نفسه كثيرا عندما تأمل ما كان كتبه منذ أربع سنوات ، ولسانه يقول " كم كنت ساذجا"
وكان ردي " الأسوأ من أن تقول عندما تنظر إلى الوراء كم كنت ساذجا ، أن تقول كم أصبحت أحمقا "
------------
ليست شكوى
بل هي صورة من واقع
صورة لم تعبث بها يد ، ولم تمر على برامج الجرافيك
صورة كما هي بأبعادها الحقيقية ، أو بأبعادها التي أراها
لست متشائما على الرغم من كل قيودي
لازال في القلب أمل
أقصد بعض أمل
أن أكون يوما ما شيئا
أقصد بعض شيء

كل عام وأنتم بخير
كل عام ولازال في القلب أمل

هناك تعليق واحد:

حسام خليل يقول...

الناس ثلاثة أصناف
جنود حق
وجنود باطل
وغثاء كغثاء السيل
يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله