١٤‏/١١‏/٢٠٠٨

وهناك كانت البداية


يوما ما ، وتحديدا في 10-8-2007 وكنت قد أنهيت دراستي للتو ، وعلى أعتاب فترة امتيازي ، كتبت وقتها موضوعا عنونته " مثاليتي التي تعذبني"
كتبت فيه :
خلفية تاريخية



لو أردت أن أقيم وضعى الاجتماعى , فليس أسهل من أضع نفسى فى تلك الخانة التى يمكن أن تعنون " الساذجون اجتماعيا" أو " المنطوون" أو أى تعبير آخر يعبر عن قلة الخبرة الاجتماعية الأقرب إلى السذاجة بها ..
حاولت أن أعرف سبب هذا , والسبب ليس عسيرا كما قد يظن البعض , فنشأة فى الغربة حتى سن الثالثة عشرة , ثم انقطاع شبه كامل للمذاكرة منذ الصف الثالث الاعدادى وحتى نهاية المرحلة الثانوية , مع ندرة الأصدقاء , وقلة النشاطات الاجتماعية , وكانت الصحبة وقتها تقتصر على الكتب أو على زملاء الدراسة , الذين لا يتحلون فى الأغلب بذلك الخبث والخداع والمراوغة والقدرة العالية على " الفهلوة"
وعلى مدى سنوات الكلية لم يتغير الأمر كثيرا , فظلت علاقتى فى الأغلب بتلك الطبقة الوسطى , التى لا يجد الشخص حرجا أو غضاضة من التعامل معها , دون أصدقاء تقريبا من مستويات أخرى , ولا علاقات بالكبار , ولا حتى الصغار , فقط زملاء قدامى من أيام الثانوية , وأصدقاء من أيام الكلية , و كتب , وبعض من الأفلام السينمائية فى مرحلة ما ...
لذا أعتقد أننى من النوع "الخام" فى التعامل مع نوعيات البشر المختلفة .

من النظرية للتطبيق



فى ذلك الوقت كنت قد أنهيت امتحاناتى للتو , وفى اليوم التالى كانت انتخابات الشورى الماضية , ذهبت للمشاركة , بالطبع لم يكن لى دور سوى أننى بقيت معظم اليوم واقفا منتظرا دورا ما يطلبه منى إخوانى , ولكن ربما كان الاصرار والتزوير وقتها أكبر من أى محاولة للنضال حتى النفس الأخير , وكان من قدرى أن يكون مكان تواجدى بجوار المستشفى العام , لم أجد ما أفعله أثناء فترة الترقب تلك , فاستأذنت من إخوانى أن ألقى نظرة على زملائى بالمستشفى , مذكرا إياهم بأننى سأتواجد إذا ما أحتاجوا إلى فى أقل من دقيقة ..
وهناك بدأ سيناريو " اكتئاب ما بعد الامتحان" , تزوير فاضح للانتخابات , لا نملك ما نفعله , منتهى الاهمال فى معاملة المرضى , جو المستشفى يجعلك تتخيله أى مؤسسة أخرى غير المستشفى , تلك المناظر البائسة الخاصة بموظفى الحكومة , ذلك الروتين الغبى , ذلك التهرب من العمل ومن المسؤوليات بدءا من أصغر موظف مرورا بأطباء الامتياز وانتهاء بالنواب , ... الخ
لا أعرف كيف كانت مشاعرى وقتها , ولكننى بقيت لعدة أيام ربما وصلت لأسبوعين , أعانى من تلك الحالة التى تصنف بانها " صدمة ".
- كنا طيلة الوقت زملاء دراسة , نتعامل بالود العالى والأخلاق الحميدة , ولكن ما هذا الذى أراه , هل حدث كل هذا فى ثلاثة أو أربعة شهور ابتعدت فيها عنهم ؟ ما هذا التكبر والتعالى؟ , ما هذه البذاءة ؟ ما كل هذا الحقد والحسد بين من كانوا بالأمس خير الأصدقاء ؟ رأيت أشخاصا يختلفون تماما عن هؤلاء الذين كنت أعرفهم ... يااااه , يالها من حياة .

- اجتمع بنا أحد إخوننا الكبار , وكان إخوانى قد أنهوا امتحاناتهم , بينما أجلتها أنا – لظروف خاصة – وتحدث معنا , وأكد على أن العمل الخاص ( كطبيب ) فى فترة الامتياز غير جائز شرعا ولا قانونا , فقانونا لسنا بعد أطباء يحق لنا أن نتكسب من الطب , ولم نحصل بعد على تصريح مزاولة المهنة , وشرعا سيكون هناك حرج لو أخطأنا فى التشخيص أو العلاج , فنحن لم نكتسب التدريب العملى الكافى بعد , وسيكون هناك شبهة فى ذلك المال , مرت أيام وأيام لأعود بعد ذلك لأكتشف أن فلانا وفلانا وفلانا ..... يعملون فى عيادات خاصة !!! أو لنسميها مستوصفات , هكذا !! وببساطة ؟ وبعد مرور ثلاث شهور فقط من العمل كطبيب امتياز !! وبعضهم كان ينجح بالكاد وربما أعاد بعض السنوات !! وحتى داخل المستشفى الأمر لا يختلف كثيرا , فكثير من النواب يعشقون " التزويغ " وكثير منهم يتركون أطباء الامتياز – بعلمهم الجبار وخبرتهم الممتازة – يمارسون العمل بدلا منهم , فهم يحتاجون إلى بعض الراحة , فلديهم عيادات ياكلون عيشا من ورائها !!

- كنت أقرأ فى الكتب عن مصطلح " المتساقطون على طريق الدعوة " , وأعرف أنهم أولئك الأشخاص الذين يتركون طريق الدعوة بعد أن التزموا به فترة من الزمان , كانت الأسباب الأساسية أو المنعطفات الرئيسية العمل أو الزواج , كنت أظن أن هذا يحدث لبعض ضعاف النفوس أو لأشخاص يغويهم الشيطان ويغريهم بالتنصل من مهامهم الدعوية , ولم أكن أتخيل كيفية حدوث ها , ولم أكن أعرف أن الأمر قريب إلى هذه الدرجة ,,, ففوجئت بعدد لابأس به من خيرة الإخوة , وبعضهم ممن له باع كبير فى الدعوة , فوجئت بهم ( يتساقطون) , كل يوم كنت أسمع خبرا يقلب معدتى , ويقبض أمعائى , فلان سافر دون أن يخبر أحدا ولم نعد نعلم عنه شيئا , وفلان لم يعد يحضر أى من مواعيده الدعوية وقطع كل صلة له بالاخوة , وفلان أخذ يتنصل مما وكل إليه من مهام شيئا فشيئا , وفلان يهمل كثيرا فى مواعيده ويتأخر عن كثير منها !!! يا الله !! كل هؤلاء !! وماذا عنى ؟ هل سأتساقط بدورى ؟؟ هل هذا هو المصير بعد سنين من الدعوة والعمل لدين الله !! اللهم ثبتنى وإخوانى على طريق دعوتك.

- كنت دائما ذلك الشخص الرومانسى , الحالم , الذى تربى منذ نعومة أظافره على ألا يأتى أهرام الجمعة إلا ويسابق الجميع إليه ليقرأ بريد الجمعة , ويفكر كما لو كان هو المستشار لحل المشكلة , وتطور الأمر إلى نظريات , وقراءات فى إسلام أون لاين , وكتب لعبد الوهاب مطاوع , ونظريات فى اختيار شريكة الحياة , وكيفية معاملتها ,, كلها كانت خبرة مكتسبة من الكتب , ومن بعض الأفلام الرومانسية , واكتشفت بعد ما يزيد على العشر سنوات أننى كنت أحمقا كبيرا , وأنه لا مكان لهذا الهراء الذى أعتقده فى واقعنا الحالى , كنت لفترة طويلة أعتقد أنه إذا ما حدث أن تبادل شاب وفتاة الحب , وكانا على درجة مناسبة من النضج , فلا بد أن يتكاتف المجتمع كله لتزويجهما , وتكون جريمة كبرى إذا لم يظفر كل منهما بالآخر فى النهاية , وحقا عرفت بعدها اننى أحمق ( كبير ) فلم أر شابا على أرض الواقع أحب فتاة وتزوجها !! كان هناك دائما ذلك الأب الذى يرفض , أو الاعتراض من أم العريس على أهل العروسة , أو الاعتراض على أن الشاب لا زال طالبا ولابد أن نزوج الفتاة الآن من عريس ( لقطة ) أو هناك فروق اجتماعية من أى شكل ...
أخيرا بدأت أفهم قواعد اللعبة ( وياليتنى ما فهمت ) وبدأت أدرك أن الزواج هو تلك الصفقة التى تتم بين عائلتين برضا العريس والعروسة!!

حتى أنت يا أنا


اكتشفت أيضا اننى لست كما كنت أريد , كم تعذبت فى الكلية بسبب النظام الأحمق الذى يصر على أن نتعلم بأسلوب الفراعنة والذين أظن أسلوب تعليمهم أرقى من أسلوبنا وإلا لما أنجزوا ما أنجوزه ,
كنت قد أمعنت فى التفكير والتخطيط , وتخيل حياتى , وكيف أريد أن أعيشها , ولكنى وجدتنى غير ذلك , وجدتنى أضعف مما أظن , ووجدت إرادتى أقل من طموحى , وجدتنى أتكلم أثر مما أعمل ... وآه منى !
لن أستمر أكثر فى عرض ما اكتشفته فى المجتمع , ولن أعرض مواطن صدماتى المتعددة ,
كل ما أعرفه هو أننى أحسست أننى غريب

غريب فى هذا الزمان والمكان
أتمنى أن أعيش حياة مثالية وسط أناس مثاليون
أمامى خياران لا ثالث لهما
أولهما أن أتخلى عن مثاليتى وأن أنزل للواقع وأعيشه كما هو , وأن أتعاطى منوما طويل المفعول ليدخل ضميرى فى حالة من السبات تريحنى ما دمت حيا
وثانيهما أن أظل على مثاليتى , متألما , متحفزا , مكتسبا عداوات لا حصر لها , ومستقيلا من كل مكان أعمل فيه بعد عدة شهور , غير قادر على التأقلم مع الحياة .

ثمة خواطر أفكر فيها , أفكر أن أهاجر , ولكن إلى أين ؟ إلى مجتمع غربى تظل تهمتى فيه أننى مسلم تلاحقنى ؟ أم إلى مجتمع عربى آخر أموت فيه كمدا وغيظا , أم إلى مجتمع ربما يفهمنى يوما فى دولة كماليزيا مثلا ..

ولازالت مثاليتى تعذبنى !

------------
بعدها كتبت فتاة ردا على هذه المقال كان كالآتي :

لا أدري يا أخي ما سبب إصابتي بنزلة حادة من الدموع و أنا أقرأ كتابتك ؟!

كلام كثير ، و أسئلتي و استفساراتي أكثر و أكثر !

لهجة جديدة تماما تفرض نفسها على كلماتك .. و لا تسمي إلا بمسمي واحد .. " اليأس "

كيف لمن أبدع موضوع ك" لو كان الطب شعرا " .. أن تعتريه حالة اليأس هذه ؟!!

كلامي كثير يا أخي

و لكن دعني أظهر لك حقيقة ما

أنت حديث التخرج .. خرجت من نطاق ضيق ، لتجد نفسك و بدون مقدمات في نطاق أوسع بل أوسع بمراااحل

ماذا يمكن أن يحدث هنا ؟

طبيعي جدا أن تشعر أنك تائه .. و تري أحلامك هي الأخري متناثرة في كل مكان

و خاصة أنك طموح تملك من الأمنيات ما تنوء عن حمله الجبال ..

فتري أمنية سقطت هنا ، و أخري تاهت هناك ، و ثالثة تراها بعيدة تمد يدك لتأخذها فتجد من يحول بينك و بينها ..!

أخي ،
مع قليل من التمهل و التبصر بطبائع الأمور و السعي الدؤوووب وراء ما تتمني

ستصل بإذن الله

أخي
أوجد لنفسك الحيل لتصل إلى ما تريد

توجد عوائق ؟ ! حطمها بإرادتك

و لن يحدث أبدا أن تتخلي عن مثاليتك يوما ما !

------------------
وأخيرا ....

لا تتعجبوا إن علمتم أن هذه الفتاة صارت اليوم خطيبتي ...